الآفاق التشريعية في القرآن الكريم (4)

پدیدآورخالد الغفوری

تاریخ انتشار1388/09/13

منبع مقاله

share 2899 بازدید
الآفاق التشريعية في القرآن الكريم (4)

الشيخ خالد الغفوري
القسم الرابع

مرجعية السنّة الشريفة :

من المسلّم أنّ السنّة الشريفة تعدّ المصدر الثاني من مصادر التشريع ، وقد تعرّضت إلي ذلك آيات كثيرة ، اخترنا منها ما يلي :
1 ـ قوله تعالي : « لقد كان لكم في رسول اللّه‏ اُسوة حسنة لمن كان يرجو اللّه‏ واليوم الآخر وذكر اللّه‏ كثيرا »( 1 ) .
حاصل مفاد الآية الكريمة : انّ ممّا يقتضيه الايمان بالرسالة التأسّي والاقتداء بالرسول صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم فانّه خير مقتدي وأحسن مؤتسي . وهذا الأمر من القواعد الثابتة والاُصول المقرّرة في الشريعة ، ولذا عبّرت الآية بصيغة الماضي « لقد كان لكم في . . . »وهذا الاتِّباع لا يتحقق من كل أحد بل ممّن اشتدّ إيمانه ولم يفتر لسانه عن ذكر اللّه‏ تعالي .
إذا فالاقتداء بالنبي صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أمر مقرّر ومستحسن وكاشف عن مرتبة عالية من الايمان . وهذا يدلّ علي حجّية ومرجعية ما يصدر من النبي صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم .
2 ـ قوله تعالي : « قل إن كنتم تحبّون اللّه‏ فاتّبعوني يحبْبكم اللّه‏ ويغفر لكم ذنوبكم واللّه‏ غفور رحيم »( 2 ) .
إنّ ارتباط الانسان بخالقه جلّ وعلا يتقوّم بعنصرين أحدهما موجَب وهو الحبّ ، والآخر سالب وهو الخوف . والحبّ له علامات أجلاها اتّباع المحبوب والانصياع له والانشداد لكلّ ما يرتبط به .
وقد أشارت الآية إلي هذه الشرطية التي تقرّر بأنّ اتّباع الممثّل عن اللّه‏ والمبعوث من قِبله والذي يحمل إلي الناس ما يريده منهم علامة دالّة علي المحبّة للّه‏ . وهناك شرطية اُخري بأن تحقق هذه العلامة يترتّب عليه محبّة متقابلة من قِبل اللّه‏ لكم ، فتبلغ المحبّة أوجها لكون المحبّة متبادلة من الطرفين .
والشرطية الاُولي كافية لاثبات مرجعية النبي صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، والشرطية الثانية أعطت هذه المرجعية زخما آخر وقيمة إضافية وأكسبتها حجّية مؤكّدة .
3 ـ قوله تعالي : « قل يا أيّها الناس إني رسول اللّه‏ إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلاّ هو يحيي ويميت فآمنوا باللّه‏ ورسوله النبي الاُميّ الذي يؤمن باللّه‏ وكلماته واتّبعوه لعلكم تهتدون »( 3 ) .
لقد قُرِن الايمان باللّه‏ تعالي مع الايمان بالرسول صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، واُمر باتّباعه الذي علِّل بأنّه يؤول إلي الهداية .
فإن قلتَ : إنّ المراد هو اتّباع خصوص القرآن الذي يحمله النبي إلي الناس ، ولا يشمل ما سوي ذلك .
قلتُ : إنّ الاتّباع هنا مطلق ولم يقيَّد ، فعلي مدّع التقييد الدليل .
هذا ، مضافا إلي وجود قرينة تؤيّد إرادة الاطلاق ؛ فانّه قد وردت في الآية السابقة عليها الاشارة إلي اتباع القرآن بقوله تعالي : « واتّبعوا النور الذي اُنزل معه اُولئك هم المفلحون » .
4 ـ قوله تعالي : « ما أفاء اللّه‏ علي رسوله من أهل القري فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا اللّه‏ انّ اللّه‏ شديد العقاب »( 4 ) .
لقد خصّ اللّه‏ سبحانه الفيء برسوله وأرجع التصرّف فيه وصرفه إليه . والعلّة في هذا الحكم وعدم إرجاع ذلك إلي الناس هو الحيلولة دون استئثار بعض الناس بالفيء . ثمّ قرّرت الآية قاعدة دستورية بصورة حاسمة وقاطعة وبيّنت القيمة القانونية والشرعية لما يصدر عن النبي صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أمرا كان أو نهيا بأن كل أوامره يلزم الأخذ بها وكذا جميع ما ينهي عنه . وألحق ذلك بتحذير شديد اللهجة بضرورة تقوي اللّه‏ فانّه شديد العقاب .
ثمّ انّ الأوامر والنواهي النبوية لا فرق فيها بين ما اُبرز في قالب القول أو الفعل ، فكل واحد منهما يكون مُبرزا لما يريده صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، ويتسم بالمشروعية والإلزام .
وأمّا التقرير لفعل يصدر من شخص أو جماعة فأيضا يكون له قيمة تشريعية بلحاظ ما ذكرناه .
5 ـ قوله تعالي : « وما أرسلنا من رسولٍ إلاّ ليُطاع بإذن اللّه‏ . . . فلا وربّك لا يؤمنون حتي يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما »( 5 ) .
إنّ اتّباع الرسول وطاعته ليس أمرا مختصّا بنبيّنا صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم بل هو سنّة إلهيّة ثابتة بالنسبة لكل رسول وهذه الطاعة مترشّحة عن طاعة اللّه‏ ، فإنّ الطاعة الحقّة هي للّه‏ وحده ولمن يأمر بطاعته ، فطاعة الرسول من طاعة اللّه‏ . واسترسالاً مع هذه القاعدة الالهيّة الثابتة يأتي تطبيقها علي نبيّنا صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم الذي يجب طاعته فيما يصدر من حكم ويجب أن تبلغ الطاعة أقصي مداها ، وهو التسليم عمليا والاقتناع قلبا .
والآية مطلقة فلا يتوهّم أنّها مخصوصة بمورد القضاء حسب ولا تشمل غيره ، سيّما مع الالتفات إلي صدر الآية .
6 ـ قوله تعالي : « من يطع الرسول فقد أطاع اللّه‏ ومن تولّي فما أرسلناك عليهم حفيظا »( 6 ) .
لقد بيّنت الآية انّ اتباع وطاعة النبي صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم إنّما هي في حقيقتها طاعة للّه‏ ، ولا يصحّ التفكيك بين الطاعتين ، فمن تولّي وخالف النبي صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم فقد خالف اللّه‏ .
إذا فشأن ما يصدر عن النبي لا يقلّ عن ما يصدر عن اللّه‏ ، فالسنّة الشريفة إذا لها هذا الشأن العظيم وهذه المرتبة العالية من حيث الاعتبار الشرعي .
وهذا الاعتبار لم يُمنَح جزافا ، وإنّما مُنح لكونه رسولاً مبلِّغا عن اللّه‏ في كل ما يقول ويفعل فهو إن ينطق فلا ينطق عن هوي وبدافع من ميل نفسي ، وإن حكمَ في أمر إنّما يحكم بما يريه اللّه‏ لا باجتهاد رأيه الخاص ، كما اُشير إلي ذلك في آيات اُخري .
7 ـ قوله تعالي : « إنّما المؤمنون الذين آمنوا باللّه‏ ورسوله وإذا كانوا معه علي أمر جامع لم يذهبوا حتي يستأذنوه . . . فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم »( 7 ) .
بعد بيان موقف المؤمن النموذجي تجاه النبي صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم في التسليم أمامه وعدم الانصراف إلاّ بإذنه تطرّقت الآية إلي تهديد كل من يخالف أمر الرسول صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم . وهذا ما يؤكّد لزوم الاتباع لرسول اللّه‏ وحرمة مخالفته . وليست السنّة الشريفة إلاّ مجموعة أوامر ونواهٍ ، نعم ما لم يكن فيه إلزام كالترخيصيات فمخالفتها ليست مخالفة للأمر ؛ إذ انّ الطلب الندبي لا يقتضي الإلزام ، والمخالفة والعصيان لا يصدقان حقيقة إلاّ حينما يكون إلزام في البين .
8 ـ قوله تعالي : « يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللّه‏ وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم . . . »( 8 ) .
لقد ورد في الآية ثلاثة مراكز للطاعة المأمور بها المؤمنون :
المركز الأوّل : اللّه‏ سبحانه وتعالي ، وطاعته تتحقق بإطاعة ما يوحيه إلي الناس عن طريق رسوله .
المركز الثاني : الرسول ، وطاعته لها حيثيتان :
الاُولي : كونه رسول فيشرح للناس ويبيّن لهم ما يريده اللّه‏ منهم .
الثانية : كونه وليّا وحاكما علي المجتمع ، فيأمر وينهي في الوقائع وفي الفصل في الخصومات وغيرها .
وهذا هو الذي يبرّر تكرار لفظ الطاعة في الآية ؛ فإنّ طاعة الرسول وإن كانت تستمدّ مشروعيتها من طاعة اللّه‏ إلاّ إنّها تختلف عنها ، وذلك بسبب كونها بلحاظ التطبيق والممارسة والتجسيد العملي المتحرّك والمتغيّر عبر الظروف والأزمنة ، وأيضا بلحاظ البيان والتفريع والتشريعات التفصيلية لا بنحو الاجتهاد والرأي الذي يصيب ويخطئ ، بل بمستوي الواقع الشرعي الذي يريده اللّه‏ سبحانه وتعالي ؛ ولذا اُفردت طاعة الرسول عن طاعة اللّه‏ وعطفت عليها ، فهنا طاعتان يشتركان في درجة الاعتبار والحجّية والالزام والأثر ، ويفترقان في المجال .
المركز الثالث : اُولوا الأمر ، وطاعتهم مستمدّة من طاعة الرسول . وحيثية هذه الطاعة ممنوحة بلحاظ العنوان الذي انيطت به ، وهو ولاية الأمر التي تدور رحاها علي ما يحدّده الرسول صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، فلا تفاوت بين طاعتهم وطاعته ؛ لذا لم تُفرَد بالذكر .
ولا ريب في أنّ الاطاعة المأمور بها في قوله تعالي : « أطيعوا اللّه‏ وأطيعوا الرسول »اطاعة مطلقة غير مشروطة بشرط ولا مقيّدة بقيد ، ولا تعليل منطقي لهذا الاطلاق إلاّ إذا كان النبي لا يأمر بشيء ولا ينهي عن شيء فيه مخالفة لحكم اللّه‏ ، وإلاّ كان فرض طاعته تناقضا منه تعالي عن ذلك علوّا كبيرا ، ولا يتم ذلك إلاّ بعصمته صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم .
وهذا الأمر بعينه جارٍ في اُولي الأمر ، أي الثابت لهم إطاعة مطلقة ، وهذا لا يتم إلاّ في فرض العصمة لهم .
وإلاّ لقيّدت طاعتهم في فرض موافقة حكمهم لحكم اللّه‏ ولا طاعة لهم في فرض المخالفة ، نظير تقييد طاعة الوالدين كما في قوله تعالي : « ووصّينا الانسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما »( 9 ) . في حين أنّنا لا نجد مثل هذا التقييد بالنسبة لطاعة اُولي الأمر ، فيكشف ذلك عن كون الطاعة الثابتة لهم مطلقة .
وقوله تعالي : « واُولي الأمر منكم »هنا وزان قوله : « رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي »( 10 ) ، ولا دلالة فيه علي أنّ الواحد منهم إنسان عادي من غير خصوصية العصمة .
والحاصل : انّ طاعة اللّه‏ تثبت مرجعية الكتاب ، وطاعة الرسول تثبت مرجعية سنّته من خلال ما يصدر عنه صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم والتي يجسّدها اُولوا الأمر من بعده ، فليس لدينا إلي جنب كتاب اللّه‏ مرجعا سوي سنة واحدة وهي سنّته ، وبالرغم من كون طاعة اُولي الأمر مطلقة إلاّ انهم ليس لديهم سوي الكتاب والسنّة .
وممّا تقدّم يعرف أنّ الأمر بطاعة اُولي الأمر قضية مساقة علي نحو القضايا الخارجية الناظرة إلي مصاديق خارجيّة معيّنة ومشخّصة ، وقد تصدّي الرسول الأكرم صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم لبيان ذلك ، فطبّق هذا العنوان ( اُولي الأمر ) خارجا وحدّد مصاديقه .

پاورقيها:

( 1 ) الأحزاب : 21 .
( 2 ) آل عمران : 31 .
( 3 ) الأعراف : 158 .
( 4 ) الحشر : 7 .
( 5 ) النساء : 64 ـ 65 .
( 6 ) النساء : 80 .
( 7 ) النور : 62 ـ 63 .
( 8 ) النساء : 59 .
( 9 ) العنكبوت : 8 .
( 10 ) الأعراف : 35 .

مقالات مشابه

گونه‌شناسی «تعلیق حکم بر وصف» در تفسیر المیزان

نام نشریهتحقبقات علوم قرآن و حدیث

نام نویسندهمحسن صمدانیان, محمدرضا ستوده‌نیا, رضا شکرانی, مهدی رجائی

تحلیل تفاوت دیدگاههای قایلان به حجیت اخبار آحاد در حوزه تفسیر

نام نشریهعلوم حدیث

نام نویسندهکاظم قاضی‌زاده, مریم جعفری

حجیت خبر واحد در تفسیر قرآن

نام نشریهمعارف

نام نویسندهمحمدتقی مصباح یزدی

الآفاق التشريعية في القرآن الكريم (2)

نام نویسندهخالد الغفوری

الآفاق التشريعية في القرآن الكريم (1)

نام نویسندهخالد الغفوری

الآفاق التشريعية في القرآن الكريم (3)

نام نویسندهخالد الغفوری

اصل برائت

نام نشریهدائرة المعارف قرآن

نام نویسندهسیدمحسن سجادی

اِستصحاب

نام نشریهدائرة المعارف قرآن

نام نویسندهبخش فقه و حقوق